في عالم تتزايد فيه المشاريع العمرانية المرتكزة على الربحية والاستثمار التجاري، جاء الإعلان في نوفمبر 2021 من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان – ولي العهد ورئيس مجلس إدارة مؤسسة “مسك” – عن مشروع فريد من نوعه: مدينة محمد بن سلمان غير الربحية، المعروفة باسم مدينة مسك. هدف هذا المشروع أن يكون أول مدينة غير ربحية في العالم، تجمع بين العيش والعمل والابتكار، وترتكز على معايير استدامة عالية وهندسة معمارية متطورة. في هذا المقال نستعرض مكونات المدينة، الجانب المعماري والتقني، المزايا والتحديات، وأهمية هذا المشروع في مشهد التعمير السعودي والعالمي.
بين البناء الحضري وتمكين الشباب
تأسست مدينة مسك لتكون امتدادًا طبيعيًا لمسيرة مؤسسة “مسك” التي تدعم الشباب السعودي في مجالات التعليم والابتكار والفنون. المدينة تمثل منصة تجمع العيش والتعليم والفن والتكنولوجيا والترفيه، وتستضيف مؤسسات محلية ودولية تدعم الثقافة الرقمية والابتكار. الرؤية تتسق مع أهداف “رؤية 2030” التي تركز على تنمية الإنسان وتحويل السعودية إلى بيئة جاذبة للإبداع وريادة الأعمال. من الناحية العمرانية، تُقدّم مدينة مسك مفهوماً جديدًا: مشروع لا يهدف إلى الربح العقاري، بل إلى خلق منظومة بيئية حضرية ذات قيمة مجتمعية طويلة الأجل.
الموقع والتخطيط العمراني
تقع المدينة في حي عرقة غرب مدينة الرياض بمحاذاة وادي حنيفة وعلى مقربة من الطريق الدائري الغربي. تبلغ المساحة المخصصة حوالي 3.2 إلى 3.4 كيلومتر مربع وتبعد حوالي 20 دقيقة عن وسط الرياض. تم اعتماد تصميم من مكتب متخصص فاز بمسابقة دولية بالتعاون مع استشاريين محليين ودوليين.
المخطط العام والتقسيمات الوظيفية
تقسيم المناطق الرئيسية يشمل مركز مؤسسة مسك، ومنطقة المشراق التي تضم السكن والمكاتب والتجزئة، ومدارس مسك، ومعهد ومساحات للفنون والإنتاج الإعلامي (مانجا للإنتاج)، والمناطق السكنية والفنادق والمكاتب المتكاملة، إضافة إلى مساحات التجزئة والترفيه والمطاعم. من المخطط أن تستوعب المدينة حوالي 18,000 مقيم و20,000 موظف، مع استهداف نحو 25,000 موظف في بعض التقديرات. كما أن المساحات الخضراء المفتوحة تمثل نسبة كبيرة من المشروع — أكثر من 42-44٪ من مساحة الأرض مخصصة للمساحات المفتوحة.
المعايير الاستدامية والتقنيات الذكية
من أهم سمات المشروع التزامه القوي بالاستدامة والمعايير الخضراء. بعض مكونات المشروع مثل المقر الرئيسي لمؤسسة “مسك” حازت على اعتماد LEED Gold لتحقيق الأداء البيئي عالي الكفاءة. كما حققت مدارس مسك شهادة LEED Gold بفضل تصميم يُراعي التهوية الطبيعية، الإضاءة الفعالة، واستخدام مواد منخفضة الانبعاث وجودة البيئة الداخلية. تم توقيع اتفاقية مع شركة “إيمرج” لتوليد الطاقة من الألواح الشمسية لدعم تشغيل المدينة بطريقة نظيفة ومستدامة. يُخطط لاعتماد استراتيجيات ذكية للتنقل داخل المدينة والبنية التحتية الرقمية والإدارة الذكية للطاقة والمياه وأتمتة العمليات الحضرية. بهذا يتجه المشروع لأن يكون نموذجًا مُلهمًا للتعمير الحديث الذي يجمع بين الإنسان والبيئة والتقنية.
مكونات المشروع والجهات التابعة
من المشاريع الفرعية التي تُنفّذ ضمن المدينة: المقر الرئيسي لمؤسسة محمد بن سلمان “مسك”، مدارس مسك، معهد مسك للفنون، مركز علمي لاكتشاف العلوم والابتكار، “المشراق”، قاعة المُلقي، مركز الزوار، ومكاتب الفورم. هذه المكونات تكوّن منظومة متكاملة تدعم التفاعل بين التعليم والفنون والعمل والابتكار.
الأرقام والإحصاءات
البند | الرقم |
---|---|
المساحة الإجمالية | حوالي 3.2-3.4 كم² |
نسبة المساحات المفتوحة | 42-44٪ تقريبًا |
عدد السكان المستهدف | حوالي 18,000 مقيم |
عدد الموظفين | حتى 20,000 موظف |
المساحة التجارية والترفيهية | نحو 99,000 متر مربع |
مزايا التصميم
تصميم محوره الإنسان يشجع على التنقل مشيًا والتفاعل بين المكونات المختلفة، مع اعتماد بنية تحتية ذكية لتسهيل التشغيل والتنسيق بين الوظائف المتعددة. كما تجمع المدينة بين مناطق للإبداع والفن والتقنيات الرقمية الحديثة، وتعتبر المساحات الخضراء عنصرًا أساسيًا في التصميم تسهم في تحسين البيئة وخلق رفاهية بصرية.
المدينة تُعد مشروعًا استثنائيًا من حيث تمكين الشباب السعودي من خلال التعليم والتدريب والابتكار، وجذب المواهب والاستثمارات الثقافية والتقنية، وإثراء البيئة المعرفية والثقافية في الرياض عبر المعارض والفعاليات، وتعزيز البصمة البيئية للعاصمة من خلال زيادة المساحات الخضراء.
رؤية مستقبلية
مدينة محمد بن سلمان غير الربحية (مدينة مسك) تمثل تجربة فريدة في التعمير الحضري تجمع بين الطموح العمراني والاستدامة وتمكين الشباب. إذا نجحت في تجاوز التحديات فستكون نموذجًا عالميًا لمدن المستقبل التي لا تُصمم من أجل الربح فقط، بل من أجل الإنسان والبيئة والثقافة. إن التركيز على الجودة في التصميم والتنفيذ والصيانة سيكون مفتاح نجاح هذه الرؤية، لتصبح مدينة مسك علامة فارقة في مسيرة التعمير السعودي.