تقع مدينة الملك سلمان للطاقة، المعروفة اختصارًا بـ SPARK، في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، بين الدمّام والأحساء، وهي مشروع صناعي ضخم يهدف إلى أن يكون ركيزة مركزية لقطاع الطاقة في المنطقة. هذا المشروع ليس مجرد مدينة صناعية عادية، بل يُنظر إليه كمسرّع للتحول الاقتصادي في السعودية، ضمن محاور رؤية المملكة 2030، من خلال تنويع الإيرادات، تعزيز السياحة الصناعية، ودعم الصناعات المرتبطة بالطاقة. في ما يلي عرض مفصّل لرؤية المدينة، مكوناتها، إنجازاتها، التحديات التي تواجهها، وآفاقها المستقبلية.
الرؤية والأهداف الاستراتيجية
تهدف SPARK إلى أن تكون «البوابة الرائدة لقطاع الطاقة في المنطقة»، من خلال خلق منظومة صناعية متكاملة تدعم المستثمرين وتسهّل نموهم. كما أن رسالتها تركز على وضع المستثمرين في قلب المنصة من خلال بنية تحتية عالمية وخدمات فاعلة تسهّل عملهم وتُضفي قيمة مستدامة على المجتمع. من الأهداف التي تسعى المدينة لتحقيقها: تنويع مصادر الدخل الوطني عبر الحدّ من الاعتماد الكلي على النفط الخام وتوسيع قاعدة الصناعات المرتبطة بالطاقة، وتعزيز القيمة المضافة داخل المملكة من خلال توطين الصناعات ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة ورفع المحتوى المحلي في سلسلة الإمداد. كما تهدف إلى تقديم بنية تحتية متطورة ومستدامة بشبكات مرافق ذكية وأنظمة طاقة ومياه متقدمة وخدمات لوجستية عالية الكفاءة، وخلق فرص عمل واسعة تصل إلى 100,000 وظيفة عند اكتمال المشروع. ويُتوقع أن تضيف المدينة نحو 22.5 مليار ريال سنويًا للناتج المحلي بحلول 2035، أو أكثر من 562.2 مليار ريال حتى عام 2050. ومن أبرز معالمها أنها أول مدينة صناعية في العالم تنال شهادة LEED الفضية في التصميم البيئي والطاقة.
المكونات والبنية التنظيمية للمدينة
تم تصميم SPARK على ثلاث مراحل بمساحة ضخمة في قلب المنطقة الشرقية. عند اكتمال المرحلة الأولى، تنقسم المدينة إلى عدة مناطق متخصصة تشمل المنطقة الصناعية التي تضم مجمعات تغطي أنشطة التكرير واستكشاف وإنتاج النفط والغاز والبتروكيماويات والخدمات الصناعية الأخرى، إضافة إلى منطقة لوجستية وميناء جاف لتسهيل حركة البضائع داخليًا وخارجيًا، والمنطقة التجارية التي تحتوي على المقرات الإدارية والمراكز الخدمية، ومراكز التدريب والتعليم المهني لتعزيز الكفاءات الوطنية، والمجمعات السكنية والتجارية لتوفير بيئة معيشية متكاملة. تعتمد المدينة على بنية تحتية متقدمة تضم شبكات اتصالات ذكية تسهّل العمليات الصناعية والإدارية، وشركات متخصصة لتوزيع الطاقة والمياه، ومنظومات إدارة مرافق وأصول لضمان الكفاءة التشغيلية، مع استخدام مواد بناء مبتكرة تعزز المتانة وتقلل استهلاك المواد التقليدية.
الإنجازات الحالية والاستثمارات
حصلت SPARK على شهادة LEED الفضية لتصبح من بين المدن الصناعية الرائدة في تطبيق معايير التصميم البيئي والطاقة. وقد أعلنت عن جذب استثمارات كبيرة من مستثمرين محليين ودوليين، وبدأت شركات عالمية في مجالات الحفر والتجهيزات الصناعية بتشغيل مصانعها داخل المدينة، بينما أنشأت شركات أخرى مراكز تصنيع لتلبية الطلبين المحلي والدولي. هناك مصانع تعمل وأخرى في مراحل الإنشاء، مع خطط لاستضافة مئات المنشآت الصناعية والخدمية عند اكتمال المشروع الكامل.
التأثير الاقتصادي والاجتماعي
من المتوقع أن تُوفِّر SPARK ما يقارب 100,000 وظيفة مباشرة وغير مباشرة عند اكتمالها، ما يعزز من فرص التوظيف في المنطقة الشرقية ويسهم في تطوير المهارات الوطنية. كما يُتوقّع أن تضيف نحو 22.5 مليار ريال سنويًا للناتج المحلي بحلول عام 2035، مع أثر تراكمي يصل إلى 562.2 مليار ريال بحلول 2050. ومن خلال استقطاب الشركات الكبرى لتأسيس مصانعها محليًا، تسهم SPARK في رفع نسبة المحتوى المحلي، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتحسين سلاسل الإمداد، وتعزيز الكفاءة اللوجستية بفضل قربها من الطرق والسكك الحديدية والمرافق الحيوية.
آفاق المستقبل والاستدامة
من المتوقع أن تصل SPARK إلى نضجها الكامل بحلول عام 2035 مع اكتمال المراحل الثلاث التي ستعزز من توسعها الصناعي والخدمي. ويُخطّط لأن يمتد تأثيرها الاقتصادي والاجتماعي إلى ما بعد ذلك، لتصبح نموذجًا عالميًا في التنمية الصناعية المستدامة. إن التركيز على الطاقة النظيفة، والتحول الرقمي، والتصميم البيئي سيكون هو المفتاح الذي يضمن نجاح SPARK ويجعلها في صدارة المدن الصناعية المتقدمة في العالم.