العلا: بوابة التاريخ ومستقبل السياحة المستدامة

تقع العلا في شمال غرب المملكة العربية السعودية، وهي واحدة من أبرز المواقع التي تجمع بين التراث البشري الخالد والطبيعة الصحراوية الآسرة. تمثل العلا حلقة وصل بين الماضي والحاضر، حيث تسعى بحذر ووعي للحفاظ على توازنها بين الحفظ والتنمية، ما جعلها نموذجًا للتنمية السياحية الثقافية.

مرتكزات التراث والتاريخ العريق

يُعتقد بأن تاريخ الاستيطان البشري في وادي العلا يمتد لآلاف السنين. من أبرز المواقع التاريخية في العلا:

  • مدينة الحجر (هِجْراء / مدائن صالح)، وهي الموقع النبطي الشهير، وتضم مقابر منحوتة في الصخور وتفاصيل معمارية مذهلة.
  • آثار ممالك ضَدّان وليحيان القديمة، التي أسهمت في تطور اللغات العربية القديمة، حيث تم الاعتناء بنقوش الجبل إكما وغيرها من النقوش القديمة.
  • موقع دَدّان الأثري، حيث عُثر على تمثال كبير لملك لحيان، ويُعرض هذا التمثال في متحف دولي ضمن اتفاقيات تبادل ثقافي.
  • على مر العصور، كانت العلا محطة للحجاج، إذ كان عدد من الطرق التي يتخذها الحجاج تمرّ عبرها منذ القرن الحادي عشر الميلادي.

رؤية مؤسسية للتنمية المستدامة

منذ تأسيس المؤسسة الملكية للعلا، باتت العلا مشروعًا متكاملاً يسعى للموازنة بين التراث والتنمية، عبر خطة طويلة المدى تراعي جوانب البيئة، الثقافة، والاقتصاد المحلي.

المحاور الأساسية للتطوير

  • الحفاظ على التراث والآثار
      تُنفّذ مشاريع ترميم وحماية للمقابر النبطية في هِجْراء، بالإضافة إلى تقييم الأثر على التراث لمواقع أثرية متعددة، لضمان أن أي تطوير أو إجراءات أمنية لا تضر بالمواقع التاريخية.
  • دمج التراث الحي (الممارسات الثقافية غير المادية)
      تُنظَّم ورش عمل تشاركية مع المجتمع المحلي لتعزيز قدراتهم في الحفاظ على العادات والتقاليد والهوية الثقافية.
  • التنمية الثقافية والتعليمية والفنية
      تُقدَّم منح دراسية، وتُعقد شراكات دولية لتبادل الخبرات في مجالات السياحة، الآثار، والفنون. كما تُنفّذ مشاريع عمرانية تستلهم الهوية المحلية في التصميم مثل مجمع سكني متكامل بيئيًا.

الشراكات الدولية ودور المؤسسات الثقافية

تُقام شراكات استراتيجية بين المؤسسة الملكية للعلا ومؤسسات دولية مختصة لضمان تبادل خبرات في الحفظ والتنمية الثقافية، وكذلك في إقامة برامج بحثية وأكاديمية تعزز من المعرفة الأثرية للمنطقة.

المشاريع الفرعية والمبادرات الملموسة

إلى جانب الاستراتيجية العامة، تُنفَّذ على أرض الواقع مجموعة من المبادرات المهمة:

  • برامج المنح الدراسية لاستقطاب الكفاءات وإعداد الشباب المحلي للعمل في المجالات المرتبطة بالسياحة والتراث.
  • برنامج حماية الطيور والحياة البرية، ويُعد الصندوق العالمي للفهد العربي جزءًا أساسيًا من هذه الجهود لاستعادة الفهد العربي في بيئته الأصلية.
  • منتجع الشُّعْران والمحمية الطبيعية، وهو مشروع معماري مبدع صُمّم ليكون متناسقًا مع الكهوف والصخور، ويُعتبر تجربة فريدة في السياحة البيئية.
  • مشاريع فندقية تراثية ومعاصرة مثل فندق داخل موقع هِجْراء، وفندق خيام فاخرة وسط الصحراء، وفنادق في البلدة القديمة تُرَمَّم من المباني الطينية التاريخية.
  • فعاليات ثقافية وسياحية موسمية مثل سباق الجِمال، مهرجان الشتاء “Winter at Tantora”، والعروض الموسيقية في قاعة مرآة في الصحراء، التي تضيف بعدًا معاصرًا لتجربة الزائر.

العلا بالأرقام: الطموح والنمو المتوقع

وفقًا لتوقعات خطط التنمية:

  • يُتوقع أن تستقبل العلا نحو مليوني زائر سنويًا بحلول عام 2035.
  • تساهم العلا بنحو 120 مليار ريال سعودي في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035.
  • يُتوقع إنشاء 38,000 وظيفة جديدة خلال تلك الفترة، منها 75٪ في قطاع الضيافة.
  • يُتوقع أن تهيمن فرص العمل في قطاع الضيافة على معظم الوظائف الجديدة.

هذه الأرقام تعكس الثقة الكبيرة في قدرة العلا على أن تكون رافدًا اقتصاديًا مستدامًا يدعم رؤية المملكة 2030 في تنويع الاقتصاد وتمكين المجتمع المحلي.

مدينة التاريخ والجمال

العلا ليست مجرد موقع أثري يُعرض للزوار، بل هي مشروع حضاري قوي يُعيد صياغة مدينة كاملة على أسس ثقافية وبيئية واقتصادية. برؤية شاملة، وجهود مشتركة محليًا ودوليًا، ومشاركة المجتمعات المحلية، تسعى العلا لأن تكون نموذجًا حيًا يُظهر كيف يمكن للتراث أن يصبح دعامة أساسية في بناء مستقبل حضاري مستدام. إن تاريخها العريق وطموحها المعاصر يشكّلان معًا قصة سعودية فريدة تستحق أن تُروى وتُعاش على أرض الواقع.

masharie
the authormasharie

اترك تعليقاً